كتب: مصطفى شتا
منسق شمل في الضفة الغربية
أكد رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس المحتلة المطران د. عطا الله حنا على حق العودة للاجئين في الشتات إلى أرضهم ووطنهم فلسطين والذي لا يقل عن عودة مدينة القدس لأنه حق مقدس لا يجوز التنازل عنه، مشيرا إلى أن اللاجئين لم يكلفوا أي جهة لتنازل عن حق العودة جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي نظمه مركز اللاجئين والشتات الفلسطيني (شمل) يوم الثلاثاء 3/10/2006 في مقر مركز الاعلام الفلسطيني حول اثر نكبة عام 1948م على العلاقات بين المسلمين والمسيحيين واليهود قبل وبعد النكبة وابرز التحولات التي رافقت النكبة إضافة إلى المستجدات الحالية.
وقد بدأ المنسق العام لمركز شمل أ.أحمد حنون المؤتمر الصحفي وافتتحه بالترحيب بالجمهور وشكر نيافة المطران د. عطا الله حنا والدكتور أسعد عبد الرحمن رئيس مجلس إدارة مركز شمل على الحضور.
وقال حنون: لقد أثرت النكبة الفلسطينية على كافة مناحي الحياة في فلسطين وكان من بين الأمور التي تأثرت بواقع النكبة المؤلم هو العلاقات بين المسلمين والمسيحيين واليهود كون هذه العلاقات قد ارتبطت بالوجود الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية قبل 48، وقد كان الوجود العربي الإسلامي المسيحي يشكل نسبة عالية تصل إلى 70% من عدد السكان ويشكل اليهود 30.3% من مجموع السكان بعد النكبة أصبح هناك تحولات ديمغرافية كبيرة لقد أثرت النكبة على العلاقة بين المسيحيين والمسلمين، حيث كان لطول المعاناة ما عزز القواسم المشتركة بين المسيحيين والمسلحين.
فيما بدأ المطران د. عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس المحتلة المؤتمر الصحفي بتوجيه نداء من الأعماق إلى كافة أبناء الشعب الفلسطيني وإلى الفصائل الفلسطينية كافة وتحديداً حركتي فتح وحماس بالدعوة إلى وضع السلاح جانباً فالوضع الذي نمر به هو وضع خطير جداً ويجب الاستناد إلى لغة الحوار والتفاوض خاصة بين أبناء الشعب الواحد وأصحاب القضية الواحدة خاصة أن ما يحصل الآن في قطاع غزة هو نكبة حيث أن الاختلاف في وجهات النظر لا يحل برفع السلاح، وبهذه المناسبة فإننا نتوجه إلى الأخوة كافة بنداء من مدينة القدس بكنائسها ومساجدها إلى أن تتركوا السلاح والتوجه إلى حل عن طريق الحوار.
وفي تناوله للنكبة قال نيافة المطران: أن الشعب الفلسطيني بكافة طوائفه وأطيافه استهدف في نكبة 48 وأنه شخصياً من مواليد قرية الرامة في الجليل والتي من يزورها يمكنه أن يشاهد في طريق هذه القرية كيف أن هنالك قرى بأكملها نكبت وطرد أهله، هذه الاجراءات التي ترافقت مع عمليات الهدم والاقتلاع جاءت لاعتقاد الصهاينة بأنه ستكون لهم دولة على هذه الأرض التي ليست لهم على الإطلاق، كما أن من يزور هذه القرية يرى الكنائس المهدمة بجانب المساجد المهدمة. وبيوت المسيحيين المهدمة إلى جانب بيوت إخوانهم المسلمين المهدمة، فالاحتلال في وقت من الأوقات لم يميز إطلاقاً بين المسلمين والمسيحيين كان الاستهداف لكافة أبناء الشعب الفلسطيني، حيث أن هناك قرى بأكملها في الجليل هدمت محيت، وبالتالي فإن ما حدث عام 48 هو كارثة إنسانية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى لأن الاستهداف لم يكن فقط للبشر بل كان للأرض والمقدسات، هذا يعني أن النكبة استهدفت التراث الإنساني الذي تجسد في الأبنية والمقدسات كانت تحمل طابعا تراثياًً حضارياً إنسانياً متميزاً والتي تم استهدافها من قبل العصابات التي استولت على الأرض.
وأضاف المطران د.حنا أن هذه النكبة تواصلت واستمرت ونحن لا ننظر إلى النكبة على أنها حدث تاريخي كان في وقت من الأوقات وانتهى، فالنكبة حاضرة ومستمرة ما دام هناك شعب مشرد لا يتمكن من العودة إلى بلداته وقراه، حيث لا يمكننا أن ننسى هذه القرى والبلدات الفلسطينية لأنها جزء من تاريخنا وذاكراتنا وتراثنا الروحي والقومي في هذه البلاد، لذا فنحن نشيد بكل المبادرات التي تصدر من مؤسساتنا الوطنية والتي تهدف إلى إبراز مسألة النكبة بأبعادها الإنسانية الأخلاقية الروحية الوطنية التاريخية الحضارية والى غيرها من أبعاد حول النكبة يجب أن نسعى إلى إبرازها لكي تبقى حية في ذاكرتنا وذاكرة الشعب الفلسطيني، لقد كنا دائما نسعى إلى زيارة أنقاض القرى ولنشاهد الحجارة التي كانت بنايات ومقدسات وكنا نمنع في كثير من الأحيان القيام بهذه وفي كثير من المواقع تم إخفاء حتى الأنقاض ولم يبقى لها أي اثر.
وأكد عطا الله حنا على أن نكبة 48 عززت العلاقة بين المسلمين والمسيحيين على ارض فلسطين، ونحن نشكل قدوة صالحة ومتميزة لهذه اللحمة، وهذه العلاقة بدأ من اللقاء التاريخي الذي جمع الخليفة المسلم "عمر بن الخطاب" مع البطريرك الأرثوذكسي "صفرونيوس" حيث اجتمع هذان العلمان والقطبان الإسلامي والمسيحي، وأكدا أننا في هذه الارض المقدسة إنما نحن عائلة واحدة والمقدسات توحدنا وتقرب القلوب مع بعضها البعض وهذا التراث الروحي في مدينة القدس إنما يساند ويقوي ويعزز العلاقة التاريخية التي تربط أبناء الشعب الفلسطيني والعربي مع بعضهم البعض، خلال هذه المسيرة لم تكن العهدة العمرية مجرد وثيقة تاريخية فحسب ولم تكن حدث تاريخي نتغنى به فقط، إنما كانت فكراً وثقافة وسلوكاً نحن نفتخر كثيراً عندما نستمع لأبناء شعبنا عن قصصهم الشخصية في تعاطيهم وفي تعايشهم مع بعضهم البعض، كاهن القرية وشيخ القرية لقائهم كان يحدث في كل القرى والبلدات الفلسطينية وهو ما يحدث اليوم رغماً عن كل المحاولات الفاشلة التي أريد لها أن تدخل الضعف إلى بنيتنا الاجتماعية ونسجينا الاجتماعي والتي حاولت إثارة الفتنة وإثارة النعرات الطائفية فحتى هذه الساعة داخل مناطق 48 في البلدات والمدن هناك جهات متصهينة ومأجورة وموجهة من قبل الاحتلال تسعى لبث سموم الفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وقد فشلت هذه الجهات في مسعاها كما حدث في مدينة الناصرة فأهل هذه المدينة اليوم هم عائلة واحدة يتعاونون ويتفاعلون ويعبرون عن محبتهم لمدينتهم ولشعبهم ولانتمائهم العربي الفلسطيني، إن الاحتلال يريدنا أن نعيش في صراعات طائفية لكي لا نكون معاً وسوياً في تناول قضايانا الوطنية كالقدس والدولة وغيرها من القضايا المحورية، وفي هذا السياق فإننا كنا قد استنكرنا التصريحات التي قيلت من الفاتيكان وعبرنا عن رفضنا لأي حديث يمكن أي يكون سبباً في خلاف وصراع بين المؤمنين من المسلمين المسيحيين.
وأشار نيافة المطران إلى أن هناك من الأسباب ما يوحدنا أكثر في فلسطين وهو انتمائنا لقضيتنا فأعدائنا عندما كانوا يوجهون رصاصاتهم لم يميزوا بين المسلم والمسيحي فهل يجب علينا نحن أن نميز بل أكثر من ذلك يجب أن نرسخ وحدتنا الوطنية الإسلامية والمسيحية، فمن أرض النكبة كان احتضان المسيح في بيت لحم والناصرة إلى القدس قلب رسالته، والإنجيل لم يستورد من الغرب وإنما كتب هنا ومن فلسطين انتشر وبالتالي أرضنا ارض مقدسة وشعبنا الذي نكب وهجر وشرد يدرك ذلك ويؤمن ببركة أرضه لذا فهو متمسك بها.
وعن اليهودية فقال المطران إننا نميز بين اليهودية والصهيونية فالأولى ديانة توحيدية نختلف معها إيمانياً وعقائدياً وهي موجودة ولها أتباع في كل مكان، أما الحركة الصهيونية فهي حركة نختلف معها اختلافاً جوهرياً وأساسياً لان مبادئها لا علاقة لها بالديانات والأخلاق والقيم بل هي حركة عنصرية بامتياز حتى أن هناك رجال دين يهود يؤكدون على أن الصهيونية لا علاقة لها بالدين بل هي حركة سياسية إرهابية حاقدة تهدف إلى اقتلاع الشعب وتساند الاحتلال، والعداء لم يكن مع اليهودية بل مع الصهاينة حيث أن هناك تناقض كبير بين الاختلاف والعداء.
واختتم المطران د.عطا الله حنا حديثه بالتأكيد على حق العودة بقوله إن أي حديث عن النكبة لا بد أن يقود إلى الحديث عن حق العودة فكما هي القدس مقدسة ونريدها أن تعود إلى الأحضان العربية فحق العودة لا يقل قدسية عن حقنا في العودة، فالعودة حق مقدس لا يجوز التنازل عنه والشعب الفلسطيني في المخيمات واللاجئين المشتتين في أرجاء المعمورة لم يكلفوا احد أو أي جهة أو فئة بالتنازل عن هذا الحق، فمن طرد من أرضه ووطنه يحق له أن يعود ويجب أن يعود وسيعود.
فيما شكر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية د.اسعد عبد الرحمن "رئيس مجلس إدارة مركز شمل" المطران د.عطا الله حنا على حضوره برنامج مركز شمل (اضاءات على قضايا مرتبطة باللاجئين وحق العودة) وقال إن النكبة بدأت باحتلال والاحتلال توسع ليشمل ارض فلسطين التاريخية والاحتلال مستمر إذاً فالنكبة مستمرة ولن تنتهي إلا بزوال الاحتلال.
ولكي أركز على جوانب لم يتم التطرق لها سابقاً حول إبعاد النكبة على شكل العلاقة بين المسلمين والمسيحيين واليهود، فأجملها بما يلي:
1. إضافة إلى ما استهدفته النكبة من بشر وحجر وشجر تدميراً وفكاً وتميزاً عنصرياً منذ 1948 فقد أسهمت إسهاماً يرقى إلى أبشع المقارفات الفاشية والعنصرية حين ضربت نسيجاً مجتمعياً كان رائداً في تجربته فاليهودي الفلسطيني والمسيحي الفلسطيني والمسلم الفلسطيني كانوا يعيشون على ارض فلسطين بوئام ضمن علاقة اجتماعية وصلت إلى حد التزاوج ودرجة المصير المشترك إلى أن جاءت الصهيونية الفاشية وضربت ذلك النسيج وكان هذا احد اكبر الإجراءات التي نجمت عن النكبة في موضوعة تأثيرها.
2. خلق حالة من التوتر وأحياناً الخلط في الاصطراع بين ديانات كانت متناغمة ومتضامنة حيث اختلط الموقف من اليهودي واليهودي الصهيوني.
3. تعرضت اللحمة الفلسطينية إلى ما يشبه نوعاً من الفاشية المستمرة الناجمة عن النكبة والاحتلال وإذا كانت المدن والبلدات والقرى والحقول والبيارات والمقدسات من مساجد وكنائس قد أبيدت ودمرت فإن ذلك استمر ومستمر كما يحدث اليوم في مناطق 67 وأراضي 48 ولنا في قصة قريتي إقريت وبرعم شاهداً حياً على الاستهداف وتحديداً المسيحيين.
4. استناداً إلى دراسات ومشاهدات وشهادات فإن المسيحيين في فلسطين تعرضوا لسياسة هدفت إلى تهجيرهم من هذه الارض المقدسة حتى من مسلمي هذه الارض، ويجري العمل في هذا الأمر الهادف إلى تفريغ ارض فلسطين من مسيحييها بمؤامرات ومغريات كثيرة، والأمر الذي يجري في مثلث بيت لحم، بيت ساحور، بيت جالا، كذلك الأمر الذي يجري في قرى رام الله وفي رام الله نفسها حيث يتعرض المسيحيين لتنكيل إضافي يهدف إلى إبعادهم عن أرضهم الأمر الذي يصب في الفكر العنصري الذي يرعاه المحافظين الجدد واليهود المتمسيحيين الذين يتحدثون هذه الايام عن صراع الحضارات في استعادة لحرب صليبية جديدة حيث يقول هؤلاء إن هذه معركة جديدة بين مسيحيي العالم الغربي بالتحالف مع اليهود الصهيونيين ضد مسلمين إرهابيين هذه الأفكار النابعة عن اليمين المسيحي المتصهين في الولايات المتحدة الأمريكية.
5. هناك استهداف في الايام والأسابيع القليلة الماضية فقط ضد أهلنا وخاصة المسيحيين من أمريكا الشمالية وبعضهم من أمريكا الجنوبية والذين بدءوا بالعودة إلى البلاد لمنهم وقراهم على شكل مستثمرين بعد أن أتعبتهم الغربة وقد حصلوا على جنسيات أجنبية إلا أن التنكيل بهم بدأ حيث منعوا من الإقامة في فلسطين حيث لم تحمهم جنسياتهم الأجنبية، لذا فإن محاولات تفريغ الارض من السكان مستمرة ويجب توحد إرادة الفلسطينيين لمواجهة ذلك.
وختم د.عبد الرحمن دعوته بضرورة التصدي لكل المحاولات التي تحاول النيل من وحدة الشعب الفلسطيني، وفي إشارة إلى أحداث غزة قال إن ما حدث من أحداث مؤسفة ومؤلمة إنما وبكلمة بسيطة يصب الماء في طاحونة نكبة فلسطينية جديدة، وإن لنا ثقة كبيرة بأن هناك مجال لتجاوزه برقابة الشعب وبحكمة قيادته.